السبت، 23 يونيو 2012

مقالة مترجمة – وللسلع الوهمية فوائدٌ أيضاً

دان آريلي – مجلة هارفرد الاقتصادية
ترجمة محمود أغيورلي

هناك الكثير من الحديث يدور اليوم في أروقة الاقتصاديين وعلى صفحات المجلات هنا وهناك عن النوع الجديد للرأسمالية , وعن وجوب تصنيع سلع عديدة لها عوائد اجتماعية إيجابية كما يُجمع  بعض علماء السوق على أن الأرباح التي تُجنى من خلال بيع سلع وهمية لا أهمية كبيرة لها أو فائدة مجزية من شراءها والتي كما يرون تجعل العالم أفضل !
و متخوفاً من سوء فهم هذه العبارة فإني أقول بروية أن دفع الناس لشراء سلع وهمية غير مفيدة أو ضرورية هو أمرٌ مهم جداً للمجتمع وله عوائد إيجابية سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة لا نعيها.
سأشرح لكم ذلك دعونا أولا نتخيل سوية أنني قررت أن أبدأ في تصنيع منتج جديد وهو عبارة عن عبوة فارهة تحوي " هواء " مميز وسوف أقوم بترويجها على النحو التالي حيث سوف أقوم بتعويم إعلانات تتحدث عن هواء نقي من جزيرة استوائية هادئة معزولة تم تعبئته في عبوات فارهة لكي يتسنى لكم – المستهلكين – التنعم بهواء عليل نقي و سوف أدفع لان أدرج هذه العبوات في الأفلام السينمائية و سأجعل " كيت وينسلت " في أحد أفلامهما تستنشق هذا الهواء كل صباح و تتحدث عن كيفية تغير حياتها بكل أوجهها نحو الأفضل مذ بدأت رحلتها مع ذلك الهواء العليل .
سيصبح هذا المنتج بلا شك هو حديث الساعة و مراد المشاهير والمستهلكين ولكن حتماً هو مجرد " هواء " يمكن لأي راغب بأن يشعر بذات الانتعاش أن يذهب إلى أي متنزه عام في الصباح أو أن يصعد إلى سطح بنائه السكني مجاناً !
والسؤال الذي يدور في بالكم الآن هو كيف يمكن لهذا المنتج الفارغ أن يعود على المجتمع والاقتصاد بفوائد ما ؟
في الحقيقة منتجات كتلك " تحفز " المستهلكين فبترويج ذلك المنتج سوف أصنع للناس هدفاً و رغبة و لكي تتحقق تلك الرغبة أو ذلك الهدف لا بد و على المستهلكين العمل و السعي للحصول على المال اللازم لذلك و أن يكونوا منتجين أكثر لكي يحصلوا على ذلك المنتج الوهمي تماماً .
نحن دوماً نشير إلى علم التسويق و ممتهنيه إلى أنه علم يهدف إلى دفع الأفراد إلى أن يغدوا مستهلكين حمقى يشوبهم الجشع على الدوام ولكن هذه النقطة تعد من تبعات علم التسويق و لكن التسويق بحد ذاته له تبعات يمكن عدها كمعطيات نجاح أو كمحرك ديناميكي للمجتمع فالتسويق و الترويج يحافظ على مستوى رغبة لدى الأفراد مما يجعلهم على الدوام في حالة إنتاج و إبداع و سعي وابتكار دون المبالغة في الأمر .
تخيلوا لبرهة أننا في عالم لا يتدخل علم التسويق والإعلان فيه , عالم لا يوجد فيه ما ترغب به أو تسعى إليه عالم لا تحتاج فيه إلا لحاجياتك الأساسية فحسب عالم لا يحتاج فيه أطفالك لشيء ولا يطلبون منك فيه أي شيء حتى وحين اصطحابهم إلى أسواق الألعاب و الهواتف و الأجهزة الحاسوبية فكم في ذلك العالم من الوقت تحتاجه من العمل لكي تؤمن حاجياتك فحسب ؟ هل سيتوجب عليك العمل بجهد مضن ؟ هل ستكون مبدعاً لكي تبتكر طرقاً لزيادة دخلك ؟ هل ستطلب علاوة لأنك تستحقها أم أن مرودك المادي الحالي كاف لتلبية احتياجاتك الأساسية فحسب ولا يوجد من داع لذلك ؟
الآن عودوا إلى عالمنا التسويقي وإلى المنتج الذي حدثتكم عنه ولكن تخيلوا وجود مئات بل آلاف من تلك المنتجات في كل الأصعدة و المجالات من الهواتف إلى الحواسيب إلى أدوات التجميل إلى السيارات والى كل تلك المنتجات المتمايزة التي تحيط بنا ألا تعد كل تلك المنتجات محفزات صغيرة تحيط بنا تدفعنا للعمل والإنتاج ؟
ولكي نكون واقعيين لنتخيل أنني جراحٌ قلبي هل تعتقدون أن رغبتي في شراء عبوة تحوي الهواء النقي أو أي من تلك المنتجات هي التي سوف تدفعني للعمل بجدية وبكل إخلاص وأثابر على الأبحاث لكي اكتشف طرقاً جديدة لإنقاذ الأرواح ؟ حتماً لا , لا أعتقد ذلك على الإطلاق .. إذا فما أقصدهُ وسطٌ بين الأمرين .
ولكي أكون واضحاً أكثر فأنا لا أقصد أن علم التسويق سوف ينقذ اقتصادنا او انه سوف يحل مشاكل العالم او انه سوف يدفع في العودة الى كوكب أخضر مستدام للمستقبل فالرابط بين تحفيزك للعمل ورهن المستقبل أو المجتمع وبين شراء عبوة الهواء هو رابط صغير كما أسلفت فهي مجرد محفزات صغيرة متراكمة تحيط بنا تعمل على إبقائنا في حالة إنتاج مستمرة .
وأعتقد أنه من الاوجب أن نعيد تعريف الرأسمالية دون  أن لا نهمل دور التحفيز و الرغبة في السعي نحو الرفاهية و السلع باهظة الثمن وكيف أن تلك تعمل على تحريك عجلة الإنتاج في المجتمع على الدوام فتلك السلع الوهمية لها تأثير على مجتمعنا حتماً و إن كنا لا ندركه بصورة مباشرة .


  • مجلة هارفرد الاقتصادية

ليست هناك تعليقات: